:: المهرة.. هطول أمطار غزيرة على مدينة الغيضة      :: المهرة.. هطول أمطار غزيرة على مدينة الغيضة      :: السلطان محمد آل عفرار يلتقي مديرة تنمية المرأة بالمحافظة ويقدم لها دعماً مالياً       :: عقب ايام من تفاخرهم بحرية التعبير ... مليشيا الانتقالي تلاحق كاتب وصحفي بسبب انتقاده لقيادات في المجلس     

كتابات

صلاح الاصبحي ....فبراير : الذكرى والخصوم

       09/02/2017 19:29:27
 . صلاح الأصبحي
تترادف التسميات والشيء واحد وتتظافر الجهود والهدف واحد وتتفاقم الأزمات وتسلك طريقاً واحداً للنجاة وتتعدد المكونات وتختزل في نمط واحد , وتكثر المظالم والظالم واحد , وتتلاقي أوجاع القهر والشعور بها واحد , هكذا هي فبراير أفق واحد يحتوي كل هذا الخليط من نقاط افتراق أو تقارب , تشابك وانفكاك , حدث وحديث , اسم وفعل , شكل وأداء لون صاف أو متعدد , كينونة واحدية شكلتها غايات وأهداف .
فبراير : ثورة , هبة شعبية , حركة اجتياح واحتجاج, طموح وحلم جماعي , انفجار بركان , غضب عارم , خروج إلى السطح, تخفيف من وطأة المظلومية , إثارة الروح التحررية للمجتمع , خروج من عنق الزجاجة ( النظام الفاسد-الأحزاب – الإيديولوجيا – النفوذ) , مجملها تصب في نهر التغيير, وتسعى للوصول إلى شاطئ آمن , ابتعاداً عن حاكمية النمط الواحد وفردانيته المتوزعة على أقطاب التسلط المختلفة, التي أطبقت الخناق وشدت اللجام على الشعب؛ بل أقعدته إكلينيكياً في مشفى كبير يسمى (الوطن) , تلك هي الصورة المقهورة للمجتمع بينما تعد مثالية في ذهنية السلطة .
لم يكن المجتمع أكثر من(عيان) في نظر الحاكم , في مشفى نفسي, ليس هناك أي جدية في تحسين حالته وتحديد مدة تعافيه , المشفى الذي يضم الجندي القامع لحالة الهيجان والنوبات التشنجية أو رفض تعاطي مسكناته , ويضم رجل الدين المتزيف العامل على مسح غبار التذمر والضيق بعبارات مقدسة تبرر وتعيد أسباب الداء لضعف علاقة المصاب بالرب وقد تكون واردة في سياق الاختبار الإلهي, بل يذهب إلى زرع اليقين بأحقية الحاكم وأحقية الاعتراف بقدرته الخارقة في إدارة المشفى, الاستمرار على هذا الوضع المزمن والتعايش معه والاقتناع به والتعبير بالقبول به وتقديم الشكر لمن يستحقه جراء مصير كهذا , وقد يضاعف واقع هذا المصير باهتمام لا يتجاوز أكثر من زيارة مسؤول أعلى ليراقب ويحاصر الفوارق المحتمل ظهورها بين المرضى خفية انزلاقها عن سياقها المفترض , ولكم كانت السلطة تتباهي بمشاريعها الإسمية والوهمية للمشفى دون إن يكون لها أي وجود مرتقب , فليست سوى مسكنات تبدو مجدية في نظر الحاكم .
وفي لحظة ما عجز خيال الحاكم في توقعها, بدأت المسكنات والأوهام توشك على النفاذ, ولم تعد فاعليتها مثلما كانت, بل تغير مفعولها من فعل سلب إلى إيجاب , فحركت جمود الوعي وأنارت ظلماته وأعادت له حاسة الإحساس والشعور بالمأساة , فكان الانفجار والصخب يعم أرجاء الوطن(المشفى), نتيجة تفشي اليأس إلى أعماقه , فعزم على المغامرة إلى الأبد, ولم يحتسب فداحة العواقب أو احتمالات الخسارة , دون أن يلتفت إلى خلفه , كونه لا يحمل في جعبته ذكرى حسنة يتمسك به وتمنعه من مغامرته .
هكذا وُلدتْ فبراير بشكل فريد ونقي؛ فكانت خروجاً جماعياً من مشفى هو سجن وكانت العودة للحياة بهيئة جديدة تستوعب متطلبات العصر وتشارك العالم ولو بالطموح والحلم كتعبيرعن وجود وإثبات للهوية , وهنا اهتز عرش الطاغي وفشلت أدواته في إعادة ذلك الفيضان إلى مشفاه , وحينها أعترف دون أن يدرك بطريقته التي كان يتعامل بها مع المجتمع , حين ذهب إلى تأويل فبراير تأويلاً نفسيًا بتسويقه أن شبابها تعاطوا المخدر وغُسلت أدمغتهم وصاروا يقترفون فعل الثورة بحقه, ويقودهم خصم آخر له افترضه هو , كما لو أنهم انتقلوا من مشفى إلى آخر مع اختلاف الجرعات وماركة إنتاجها وتطور حالة الشعب سلبياً إذ أن حالته النفسية مستعصية في تشافيها من فيروس خطير لا يمتلك المصل المضاد له أحدُ سواه , لكن الغالب فضل التعايش بفيروس التغيير والثورة على ألا يعود للمشفى لآخذ المصل المضاد للثورة .
ظل صالح متمسكاً بوصفته السحرية المضادة للفيروس دون أن يتسرب اليأس إلى نفسه , يبحث بشكل أو بآخر عمن يقنعه بعقليته الفذة وقدرته على النجاة , فلم يكن هناك غير مكون أنصار الله الذين أفلتوا من الذات الجمعية للثورة وشككوا بمبادئها , وأغراهم المصل السحري لصالح بعد أن كانوا يحملون صخرة سيزيف في جبال صعدة لسنوات كونهم حالة خاصة لم يجدِ بقاؤهم في المشفى النفسي الخاص به , ولذا تصوروه الداء والدواء, منه الضر والنفع, فكانوا لقمة سهلة أعاد مشروعه عَبرهم, وفَعَّل مشفاه بعودتهم إلى داخله كمرضى نفسيين, مثلما هو المجتمع في تصوره, وذلك علاجه الطبيعي الذي يجعل حالته مستقرة , كونه مدمناً لها لا يستطيع البقاء دونها , وتكون المعادلة الطبيعية أنه صار صاحب الحالة المستعصية بين كل المرضى الذين تعافوا سريعاً بمجرد الثورة عليه .
وفي هذا السياق ينبغي التعريج على شباب فبراير ,ذلك الجيل الذي صنع ثورة حقيقية لم يتمكن المعارضون للنظام من صنعها, وترددوا كثيراً في اللحاق بها وكان وصولهم متأخراً جداً وساعة وصولهم تغير الكيان الكلي للثورة وأزيح الحامل الأول للثورة وتم الاستحواذ والانحراف برحلتها وأجهضت رغم سعيها الحثيث الذي وصل إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي يمثل بوابة جديدة لليمن ومستقبله, فكان ما كان لاعتراض فتح تلك البوابة وتم العودة بالرحلة الثورية لفبراير لتعود نقطة الصفر ما قبل سبتمبر كعقاب موجع أنزل بحق فبراير وأهله ,وحلت الطامة الكبرى التي قلبت الموازين وغيرت المعادلات , كي لا يتمدد فبراير ويرى النور , فتم محاصرته من الناحية السياسية بانقلاب 21سبتمبر كغطاء جوي يحاصر أهداف وغايات فبراير العظيم ويعيق حركته التي استمرت من الحادي عشر من فبراير 2011م حتى 21سبتمبر 2014م , كيقين بفكرة الحصار لفبراير كونه الطريقة المثلى لمنع تسرب إشعاعاته خارج إرادة الخصم , وتتبع الجيل صاحب الفكرة وتمزيق حلمه الفبرايري شر ممزق وتشتيت ذلك الجيل , وسجنه واعتقاله والنيل منه بكل السبل الممكنة باعتباره سبباً رئيساً في إشعال فبراير وإظهار عجزه في القضاء على ثورتهم , فتهور في انتقامه وسعى في البحث عن جلاد أشد قسوة وغلظة منه , فكان له ما أراد بعثوره على من يكن العداء ليس لفبراير فحسب بل لسبتمبر الخالدة .
ولم يقف التنكيل بشباب فبراير عند هذا الحد بل جرا البحث عن جغرافية ذلك الجيل , وكانت تعز هي القصد , وهي حقيقة لا مفر منها أنها منبع ثورة فبراير ومشكاتها , وأبناؤها هم النواة الأولى لجنين الثورة , وهي من زادت الثورة قوة وتمسكاً ومنها انطلقت مسيرة الحياة التاريخية كتحد صارخ في وجه السلطة المستبدة, حيث تِكن تلك السلطة حقداً دفيناً لهذه المدينة التي كانت منصة صعودها للحكم , ولذا فقد تمَّ تبطين هذه الحقيقة المرة إلى لحظة زمنية مواتية لكي يتسنى لهم عقابها بفظاعة وتشنيع مخيف , انتقام قائم على هاجس الحصار لفبراير وملاحقة نبتة في كل منعطف وسهل , فتم حصار تعز وحصار فبراير باعتبارها آخر ملاجئ فبراير كما يتقين خصوم فبراير ,فنالت نصيب الأسد في أسوأ حصار همجي في تاريخ اليمن وما زال للتو , حصار الفكرة في الجغرافيا .