:: عقب ايام من تفاخرهم بحرية التعبير ... مليشيا الانتقالي تلاحق كاتب وصحفي بسبب انتقاده لقيادات في المجلس      :: الانتقالي يهاجم الأحزاب الموالية للحكومة ويرفض عقد أي أنشطة لها بعدن      :: مركز الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية واضطراب البحر      :: هولندا تسحب فرقاطتها من البحر الأحمر.. "الحوثيون عنيفون جدًا"     

كتابات

صراع الطربوش والقبعة !

       د. محمد جميح 20/07/2017 21:55:32



د. محمد جميح
لماذا يختلف العرب؟
لماذا ينقسمون؟
أو لماذا هذه الحالة من الاحتراب الداخلي العربي؟
في البلدان التي يوجد فيها سنة وشيعة، ننقسم على أساس طائفي، وننادي يا لثارات صفين، ونستدعي الحسين ويزيد، ويغيب عنا بالطبع أبو موسى الأشعري، وفي البلدان التي ينعدم فيها العامل الطائفي تحضر الخرائط والجغرافيا والجهات الأربع، ويضع كل واحد بوصلته، ويحدد نجمه الذي يدله على التوجه الصحيح، فننقسم إلى شماليين وجنوبيين، وننقسم إلى أهل الشرق وأهل الغرب، وعندما يهدأ غبار الخرائط تحضر «داحس والغبراء» وتثير المزيد من الغبار، وننقسم إلى قحطانيين وعدنانيين، وعرب الجنوب وعرب الشمال، والعرب العاربة والمستعربة، ويظل السكين يمر على الأجزاء والأقسام إمعاناً في المزيد من التقسيم والتجزئة.
ويطيب لنا أحياناً عندما لا توجد العوامل الدينية الطائفية أو الجغرافية الجهوية أو القبلية العرقية للانقسام، يطيب لنا أن ننقسم على أساس معسكرين: ليبرالي عصري، وإسلامي أصولي، وتثور المعارك من جديد، ونستحضر «الليبرالي التقدمي» عمرو بن بحر الجاحظ و»الأصولي الرجعي» عبدالله بن قتيبة الدينوري، وهكذا. الشيء المدهش في فريقي الصراع كليهما أنهما يحويان المثالب والمحامد ذاتها، وكل ما في الأمر أن كل فريق لا يرى في خصمه إلا المثالب، ولا يرى في نفسه إلا المحامد.
نظرة على مقولات الإسلاميين والليبراليين العرب، وأخرى على سلوكياتهم السياسية والاجتماعية – مثلاً- تكشف عن «تشابه بنيوي» في الهياكل الذهنية والأنماط السلوكية، بشكل يجعل المرء يشك في حقيقة وجود فروق حقيقية بين الفريقين من جهة القواعد البنيوية للتفكير والسلوك، حتى إننا إذا أردنا أحياناً أن ننتقد الليبراليين، فما علينا إلا أن نقرأ ما كتبوه عن خصومهم الإسلاميين من عيوب، والعكس صحيح، إذا أننا لا نختلف إلا على مستوى الخطاب والمظهر، لكن البنى الذهنية والسلوكية تكاد تكون متطابقة، بمعنى أن الفروق هي فروق شكلية، لكن الجوهر متشابه إلى حد كبير. ولأن الفروق شكلية، فقد اتخذ الصراع في القرن الماضي منحى مظهرياً باختصاره في رمزية «صراع الطربوش والقبعة»، القبعة بما هي أيقونة «حداثية أوروبية»، والطربوش باعتباره رمزاً «رجعياً عثمانياً».
يطرح الكثير من الليبراليين – مثلاً- مسألة اضطهاد المرأة العربية كإشارة على تخلف المجتمعات العربية، وينطلقون من هذا المنطلق للتشنيع على الخصوم من الإسلاميين، وحقيقة الأمر أن الكثير من الليبراليين عند فحص التطبيق العملي لطروحاتهم النظرية يعانون من نوع من الفشل الفاضح، ومن هنا تأتي الطرفة التي كانت تردد بأن الليبرالي يريد «سفور المرأة المسلمة» ليتمتع بها، فيما يريد الإسلامي «حجاب المرأة المسلمة» ليحتفظ بها لنفسه. وفي السياق السياسي يتحدث الكثير من الإسلاميين عن قضايا الديمقراطية، لكنهم عندما يصلون للسلطة (وصلوها في بعض البلدان) فإنهم يمارسون الديكتاتورية المقنعة، ولا يأخذون من الديمقراطيات إلا عدد الأصوات التي حصلوا عليها من صناديق الاقتراع، وهنا ينطلق الليبراليون لتأكيد مقولة إن الإسلاميين يريدون الديمقراطية من أجل التخلص منها عندما يصلون إلى السلطة، ويرد الإسلاميون بأن الليبراليين أقلام السلطة وحملة مباخرها، وهكذا. 
وفي ظل هذا التشابه الكبير بين السنة والشيعة، والشماليين والجنوبيين، والشرقيين والغربيين، والعرب العاربة والمستعربة، وعرب الطربوش وعرب القبعة، في ظل هذا التشابه على طريقة «كلنا في الهم شرق»، فإن ما يبدو من انقسام بين العرب لا يمكن توصيفه بالانقسام المبدئي الذي يدور حول القيم والأفكار والتوجهات والأبعاد، ولكن الانقسام هنا يعد ضرباً من الانقسام المعيب الذي لا يبعد فيه المنقسمون عن ذواتهم الأنانية ومصالحهم الضيقة، التي يغطونها بشعارات براقة على مستوى الخطاب، تخدع الجمهور الذي بدأ يدرك حقيقة أن «البقر تشابه علينا» على حد تعبير القرآن الكريم.
نعود لنقول: إننا لكثرة ما سمعنا من معارك إعلامية ورأينا من حروب عسكرية في العراق وسوريا، أصبحنا نشك إننا إزاء شعب واحد في كل بلد، بل أصبحنا إزاء معسكرين: واحد يقوده علي بن أبي طالب، والآخر يقوده عمر بن الخطاب، وأما في ليبيا على سبيل المثال: فهناك حرب أهلية لا تتحدث عن السنة والشيعة، ولكنها حرب بين أهل الشرق وأهل الغرب، وهي في معظمها تقوم على أساس قبلي تتلبس بلبوس الجغرافيا، وفي اليمن دخلت الطائفية مؤخراً مع ورود أفكار خمينية وأخرى طالبانية، غير أن اليمنيين ابتلوا كذلك بنكد الانقسام المناطقي، حيث يحاول البعض تقسيم اليمنيين على أسس شطرية كما كانوا قبل عام 1990، إضافة إلى الانقسام الذي يبدو فيه العامل القبلي بارزاً في بلد لم يتحول بعد من التركيبة القبلية إلى بنية اجتماعية منسجمة. مصر تخلو من النكد الطائفي أو أنه ليس بارزاً في ثوبه «السني-الشيعي»، وإن كا




التعليقات