:: ناطق اعتصام المهرة: رحيل الشيخ الزنداني خسارة كبيرة للأمتين العربية والإسلامية      :: بريطانيا: ملتزمون بدعم الجهود الأممية الرامية لإحراز تقدم تجاه إحلال السلام باليمن      :: مجلس الوزراء يوافق على مشروع خطة الإنفاق للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024      :: اليمن: غلاء قياسي وتدهور الأمن الغذائي     

كتابات

صنعاء معشوقة.. عاشقاها: السل والجربُ!!

       نصار عبدالله 24/12/2017 19:15:40

نصار عبدالله


 

لاتزال قصيدة الشاعر اليمنى الكبير عبدالله البردونى (1929ـ 1999): «أبوتمام وعروبة اليوم»، التى عارض فيها قصيدة أبى تمام الشهيرة: «السيف أصدق أنباء من الكتب»، لاتزال إلى يومنا هذا تبدو وكأن صاحبها كان يرى الحاضر ويستشرف المستقبل فى آن واحد معا!.. لقد كتبها (الشاعر الضرير) فى عام 1971، ومع هذا فقد كان يبدو مبصرا- لا حاضر اليمن وحده إذ ذاك، ولا واقع العالم العربى بأكمله فحسب- بل كل ما حملته العقود التالية إلى اليمن وإلى العالم العربى كله من الأحداث المأساوية!!..


يقول البردونى: ما أصدق السيف! إن لم ينْضِهِ الكذبُ.. وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضبُ. أدهى من الجهل علم يطمئن إلى.. أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا. حبيبُ: وافيت من صنعاء يحملنى.. نسر وخلف ضلوعى تلهث العرب!!. ماذا أحـدّث عن صنعاء يا أبتى؟ مليـحة عاشـقاها: السـل والجربُ!. ماتت بصندوق «وضاحٍ» بلا ثمن.. ولم يمت فى حشاها العشق والطرب!. كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت.. فـى الحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقب. يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا.. ونحن من دمـنا نحسو ونحتلب. وأقبح النصر، نصر الأقوياء بلا فهمٍ سوى فهمِ كم باعوا وكم كسبوا. هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم.. ويـدعـون وثوبـا ثم لا يثـبوا!. عروبة اليوم أخرى لا ينم على وجودها.. اسم ولا لون ولا لقب. حين كتب البردونى تلك القصيدة كانت قد مرت أربع سنوات على هزيمة 1967، وكانت الرؤوس مازالت منكسة، وكان طعم الهزيمة مازال يملأ بمرارته كل فم عربى، وحتى عندما قُدر للرؤوس العربية أن ترتفع بفضل نصر أكتوبر 1973 عادت بعد ذلك لتنتكس من جديد بعد الحرب الأهلية فى لبنان التى أعقبها الاجتياح الإسرائيلى الذى وصل لأول مرة إلى حد أن إحدى العواصم العربية قد أصبحت محاصرة بالقوات الإسرائيلية، ثم اكتملت الكوارث بغزو العراق للكويت الذى أعقبه غزو أمريكا للعراق!!، أما اليمن فقد مزقتها المحن والكوارث، لقد شهدت أربعة انقلابات بعد انسحاب القوات المصرية منها فى عام 1967 وعودتها إلى مصر بعد هزيمة يونيو لكى تساهم فى الإعداد لمعركة التحرير التى كللت أولى مراحلها بالنجاح فى أكتوبر 1973..

 

حدث الانقلاب الأول فى اليمن ضد المشير عبدالله السلال أثناء زيارته للعراق فى نوفمبر 1967 حيث تشكل مجلس رئاسى برئاسة عبدالله الإيريانى، وفى يونيو 1974 جرى انقلاب أبيض ضد الإيريانى وتشكلت سلطة عسكرية من سبعة ضباط برئاسة المقدم إبراهيم الحمدى، وفى أكتوبر 1977 جرى اغتيال الحمدى وتولى السلطة من بعده أحمد حسن الغشمى الذى جرى اغتياله بدوره فى يونيو 78 وتولى عبدالكريم العرشى رئاسة الجمهورية لكنه أجبر على التنحى لصالح على عبدالله صالح الذى استمر فى الحكم إلى أن خُلع فى فبراير عام 2012، بعد عام من قيام الثورة الشعبية!، حيث انتخب الرئيس عبدربه منصور هادى رئيسا للبلاد، غير أن صالح نفسه جرى اغتياله فى ديسمبر 2017 على أيدى الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران والتى استطاعت بسط سيطرتها على مناطق واسعة من اليمن فأضافت إلى كوارثه السياسية والطبيعية كارثة أخرى جديدة، وإذا كان البردونى قد سجل لصنعاء فى قصيدته أنها معشوقة عاشقاها السل والجرب، وكلاهما من الأمراض التاريخية المتفشية فى اليمن منذ أمد بعيد، لكنهما فى العام الحالى قد انضم إليهما مرض جديد هو الكوليرا الذى كسر عدد المصابين به حاجز المليون، نصفهم تقريبا فى صنعاء! وهكذا أصبحت صنعاء معشوقة عشاقها: السل، والجرب، والحوثيون، والكوليرا، ومع هذا ورغم السوداوية والكآبة التى حفلت بها قصيدة البردونى، فإن بيتها الأخير يومض بالأمل حينما يقول: ألا ترى يا أبا تمام بارقنا، إن السماء تُرجّى حين تحتجب! وها نحن معه فى مصر التى كان الشعب المصرى فيها قد سبق شقيقه اليمنى إلى الثورة فى عام 2011، ها نحن فى مصر، وفى كل مكان من الوطن العربى، مازلنا نتوجه بالرجاء المقرون بالنضال، واثقين من أن أبواب السماء لا تُقفل أبدا.