:: مأرب.. 30 طالبة جامعية يختتمن دورة في ثقافة السلام      :: المهرة… قوات الأمن تنقذ مواطنين حاصرتهم السيول في مدينة الغيضة      :: مدير عام جمرك شحن يكرم عدد من موظفي المثاليين في ادارة الجمرك وعمال ساحة الشحن والتفريغ       :: السلطان محمد عبدالله آل عفرار يقدم دعما ماليا للمركز الصحي في يروب     

كتابات

الطريق إلى حقات

       فتحي منجد 2023-08-13 03:04:57


يستعرض المقال عودة (حكومة بن دغر) إلى عدن.. وكيف وضعت قدمها على الأرض.. وصمدت في وجه التحديات.. وكيف تمكن رئيسها من تحويلها إلى مايشبه حكومة حرب.. وأقرب توصيف لما قام به هو "عسكرة الحكومة" ولا أقصد بهذا التوصيف أنها حملت السلاح، وإنما عاشت في بداياتها ظروف صعبة أشبه بحياة فصيل من كتيبة عسكرية في النسق الأول في خط المواجهة.

وقصدت ب"حقات" قصر المعاشيق كون حقات جزءاً من معاشيق، ومنها بداية الانطلاق، حيث فتحت فيها مكاتب الوزراء، وبدأت الحكومة تدب على الأرض، وتتلمس قضايا المواطنين.

فبعد شهرين من تعيين (الدكتور/أحمد عبيد بن دغر رئيساً للوزراء) وتحديداً يوم الأثنين 6 يونيو 2016م، عادة الحكومة العودة الفعلية إلى عدن، ولم تغادرها إلا لمهام رسمية، وكان ينوب رئيسها عند السفر نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية اللواء/حسين عرب، والذي يعد رجل دولة من الطراز الأول، وله مواقف لاتنسى، ولعل ما يمكن أن تتعلمه من هذا الرجل هو الشجاعة والصراحة، والقوة في اتخاذ القرار.

صادف عودة الحكومة شهر رمضان، وكأن اختيار هذا الشهر للعودة بمثابة إعلان أن الحكومة ستتحمل معاناة المواطنين وتشاركهم الهموم وتشاطرهم المعاناة، 
وكان أول تصريح صحفي لرئيس الحكومة فور وصوله إلى مطار عدن بأن لدى حكومته رؤية واضحة لما ينبغي عمله في الملف الأمني والخدمي"، مؤكداً أن سقف التوقعات يجب أن "يكون في الحدود المعقولة".

لم تكن طريق العودة مفروشة بالورود والرياحين، بل محفوفة بالمخاطر، تتقاذفها الأمواج وتقف في طريقها مئات العقبات، وتحيط بها المفاوز التي تنقطع أمامها أعناق المطي.

اختلالات في جميع المجالات أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، انعدام للخدمات، انطفاءات الكهرباء بالساعات، لامرتبات، لاسيولة نقدية، لابنك مركزي، لامباني ولا مؤسسات.. حكومة لاتملك أي مقومات للبقاء  فضلاً عن التنمية والبناء، كونها في الواقع عودة وزراء بلا وزارات.

كانت العودة ضرورة ملحة لتثبيت قدم الشرعية على الأرض، وملامسة عن قرب لمتطلبات النهوض وتطبيع أوضاع المناطق المحررة، واستيعاب المشكلات المتعلقة بالجوانب الأمنية، وإعادة بناء أجهزة الدولة، إضافة إلى ترتيب وضع المقاومة ومعالجة قضايا الجرحى.

في يومٍ قائض شديد الحر حطت الطائرة رحالها في مطار عدن كان حينها أشبه بثكنة عسكرية، حواجز أمنية، وكتل خراسانية، وأكياس مملوءة بالأتربة والرمال، يتمترس خلفها جنوداً ملثمين بالسواد.

استقبلتهم العربات العسكرية الكبيرة والسيارات المصفحة، والأطقم العسكرية أخذتهم مسافة قصيرة، ثم قبع الواصلين من الوزراء والطاقم في إحدى الثكنات داخل المطار حتى هبطت مروحيتان، مهمتهما نقل الواصلين إلى المعاشيق على دفعات.

حينها طلب منهم ارتداء لباساً هوائياً كسترة نجاة في حال سقطت الطائرة في البحر (اذا سمح الله)، يخرجون سراعاً إلى الطائرة ململمين ثيابهم، واضعين اصابعهم في آذانهم حتى لاتتضرر من هدير المروحيات وكأن المرحلة القادمة ليست لحمل الكرفتات والبدلات، ولبس النظارات الشمسية وإنما للجد والمثابرة والكفاح
واذا لم تكن إلا الأسنة مركباً  
                فما حيلة المضطر الا ركوبها

يتواجد في مقدمة كل طائرة طيار ومساعده، وفي مؤخرتها المفتوحة يقف جنديان، يحملون رشاشات حديثة، يتهامسون بلغة غريبة لايفهما إلا أهلها، يشيرون باسلحتهم في كل الاتجاهات، وبقدر ماهو حماية للراكبين، فهو ترويع لهم أيضاً.. منظراً مخيفاً ومثيراً في آن واحد.

هبطتا المروحيتان تباعاً في معاشيق، عندما تنزل الأولى تحوم أختها في السماء، هبوطها أشد رعباً من صعودها، لم تترك شيئاً مما على وجه الأرض الا قلبته على وجوه الواصلين، وبدلاتهم الرسميه، ولاحتياطات أمنية كان يتأخر وصول الشنط أحياناً إلى ساعات متأخرة من الليل وقد تبقى يوماً كاملاً حتى تصل، فتظل ملابس الواصلين عليهم، أو يستعير بعضهم ثياباً من بعض العاملين في القصر. 

كانت رئاسة الجمهورية قد قطعت شوطاً في الترتيبات والتجهيزات، لاستقبال الحكومة وطاقمها، وكان لإدارة القصر واللواء الأول حرس رئاسي دوراً كبيراً في الترتيب والتنظيم والتهئية لعودة الحكومة واستقرارها وحمايتها.

قامت المراسيم الرئاسية بتوزيعهم على فلل (مجازاً) والواقع غرف صغيرة مهجورة، بعضها بلا مكيفات.. تسكنها العناكب والحشرات، يسكن في كل غرفة أثنان أو أكثر حسب المتاح.. لافرق بين وزير أو نائب أو وكيل إلا بقرار التعيين المحمول في شنطة اليد أو حقيبة الملابس.

تم توفير مغسلة للثياب يديرها دوبي (عامل الغسيل) ومساعدة.. ومن الطرف أنه قد يخالف بين أصحاب الملابس أحياناً فيقوم بتوزيعها اجتهاداً وفق الأحجام والمقاسات، وقد تسلم ثوباً في الصباح فتستلمه معوزاً في المساء
البس لكل حالة لبوسها
              اما نعيمها وإما بؤسها

لم ت