حسين المحضار... شاعر العشاق الملهِم الملهَم
"دموع العشاق"، "إبتسامات العشاق"، "أشجان العشاق"، و"حنين العشاق"، أربعة دواوين شعرية للشاعر الغنائي الكبير، حسين أبو بكر المحضار (1930–2000)، الذي تحيي الفعاليات الثقافية في حضرموت الذكرى الـ17 لرحيله هذه الأيام في مسقط رأسه بمدينة الشحر الساحلية. الشاعر الذي رحل عن عمر ناهز السبعين عاماً أنجز تجربة فنية وإبداعية، لطالما توقف عندها النقاد والفنانون، كونها تعد تجربة استثنائية لشاعر شعبي استثنائي، تميز بقريحة شعرية فذة، ومهارات فنية وإبداعية، ليس على مستوى شعرية النص وجماليات الصورة فحسب، بل على مستوى الألحان والإيقاعات والنص الغنائي الذي استطاع المحضار التطوير والتجديد فيه، من خلال أسلوبه السهل الممتنع الذي حدا بالكثير من الفنانين اليمنيين والعرب إلى التهافت على قصائده.
وبالرغم من عدم دراسته للموسيقى، إلا أنه أجاد فن التلحين من خلال السماع، إذ كان يقوم بتلحين جميع نصوصه الغنائية بأعواد الكبريت التي دأب على مداعبتها بين أصابعه، مترنماً بالألحان، فكانت لديه بمثابة "العصا الموسيقية" لقائد الأوركسترا. أوركسترا يمنية رائدة باللهجة الحضرمية، كان المحضار صاحب امتيازها على مستوى الوطن العربي. فمن "دموع العشاق" العام 1966م، إلى "ابتساماتها" في العام 1978م، فـ"أشجان العشاق" و"حنينهم" العام 1999م، مجموعة شعرية حوت في طياتها أجمل الكلم وأعذب الألحان، بدءاً من "سر حبي" و"نار حبك" و"باشل حبك" و"شلنا يا بو جناحين" و"يا حمل الأثقال"، وغيرها من الأغنيات التي حفظها وترنم بها المواطن العربي من الخليج إلى المحيط، بصوت سفير الأغنية اليمنية الفنان الكبير، أبو بكر سالم بلفقيه، الذي شكل تعاونه الفني مع المحضار ثنائية إبداعية فريدة ومميزة، علاوة على عربية أخرى، كمحمد عبده ، وطلال مداح، عبد الله الرويشد، وراغب علامة، وأسماء المنور، وعبدالمجيد عبد الله، وعبد الرب إدريس وغيرهم. وفي ذكرى رحيل الشاعر الغنائي الكبير، حسين أبو بكر المحضار، طرح "العربي" على مجموعة من النخب الثقافية في حضرموت عدة تساؤلات حول التجربة الفنية والإبداعية للشاعر المحضار.
إستثنائي
يرى د. عبد القادر باعيسى، أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة حضرموت، أن المحضار كان شاعراً استثنائياً، استطاع من خلال تشكيله الإبداعي التأثير في المتلقي، من حيث اعتماده على جودة التصوير في القصيدة ورهافة التعبير والربط بينهما بإبداع دلالي واضح. ويقول باعيسى: "نعم كان شاعراً استثنائياً لمعاناة إبداعية كان يعاشرها من حيث اتصاله الخاص بالمكان - الوطن - والشخصيات المتعددة معشوقة وغير معشوقة، وبذاخة إمكاناته في الإبداع الشعري بين هذين القطبين الكبيرين: الناس والوطن. كما كان شاعرا مُلهِماً ومُلهَماً، ويمكن معرفة ذلك من خلال تشكيله الإبداعي الخاص واستحضاره سريعاً وبعمق، ومن ثم انطلاقه بتأثير إلى المتلقي وتطويره الشكل الفني للشعر العامي الحضرمي من حيث اعتماده على جودة التصوير في القصيدة ورهافة التعبير والربط بينهما بإبداع دلالي واضح".
ويضيف باعيسى أن "المحضار موجود فينا بالرغم عنا ولم يفقد اعتباره بعد، وإنما يمكن إبراز وجوده فينا بصورة أكبر من خلال القراءات الواسعة والمعمقة لشعره لا من خلال إقامة المظاهر الإحتفالية في ذكرى وفاته أو ولادته، فهذه تأخذ طابعاً إعلامياً ولا تؤثر كثيراً في منحى الثقافة، فالمهم دراسة أشعاره وألحانه وما فيهما من رصانة وتجديد في إطار الشعر العامي الحضرمي"، لافتاً، في سياق الحديث عن الدراسات الأكاديمية لشعر المحضار، إلى أن "الجامعات العربية كلها تقريباً منذ أن تأسست جامعة القاهرة في مطلع القرن الماضي وهي لا تلقي بالاً للأدب الشعبي، حتى لا يؤثر على الأدب الفصيح الذي كانت الجامعات العربية وما زالت تتبناه في إطار رسالتها العامة في الحفاظ على اللغة العربية، ولكن لا بأس من فتح معاهد أو كليات أكاديمية خاصة ومستقلة تهتم بدراسة الأدب العامي، فهذه مسألة مهمة".
النص المحضاري تجمع النخب الثقافية في حضرموت على "استثنائية" المحضار
وفي السياق، يعتقد أستاذ الأدب الحديث في جامعة حضرموت، د. سعيد الجريري، أن "المحضار شاعر استثنائي بين سابقيه ومجايليه، استطاع أن يتجاوز تجارب أساتذته الشعريين، بما أضفاه على الأغنية الحضرمية خاصة بنائياً ورمزياً، حتى كان له متنه الشعري المميز الذي كثيراً ما يلف تياره سنابيق الشعراء، في بحر شعريته العالية. ولأنه استثنائي فقد شكل هوية فنية لما أسميه النص المحضاري ذا الخصائص الأسلوبية الدالة عليه. هو ملهِم وملهَم في آن معاً، لكنه يمثل تحدياً شعرياً مهماً". وحول كيفية رد الإعتبار للمحضار، يؤكد الجريري أن "اعتباره لم يسلب حتى نقول بإعادته، لكني أرى اعتبارية المحضار في التنمية الجمالية
لمتابعة أخبار
يمان نيوز عبر التليجرام اضغط
هنـــــــــــــا