مصر وسد النهضة.. العطش ومياه إلى إسرائيل
سناء البنا
انتهت إثيوبيا من بناء القسم الأكبر من سد النهضة الذي تقيمه على النيل الأزرق، بعدما استمرت المحادثات مع القاهرة بشأن المشروع منذ اندلاع الثورة المصرية في العام 2011. وليس هذا أول طموح لإثيوبيا على حساب جيرانها ناحية مصب نهر النيل. ومصر تعترف بأحقية إثيوبيا في أهدافها التنموية، لكنها تؤكد أن المياه مسألة حياة أو موت، غير أن الاعتبارات المصرية لا تؤثر على الموقف الإثيوبي بشكل فعال، فلا تزال إثيوبيا تصرّ على ملء الخزان في ثلاث سنوات، بينما تحاول مصر تمديد المدة إلى سبع سنوات، كي لا تعاني صدمة شحّ المياه بشكل مفاجئ، خصوصا وأن مصر تصنّف في عداد "الفقر المائي" فعلا، من دون أن تقيم إثيوبيا سد النهضة، فبينما يحتاج الفرد الواحد إلى ألف متر مكعب سنويا، فإن نصيب المصري حاليا لا يتجاوز سبعمائة متر مكعب، وستمائة في تقديرات أخرى.
ولكن خطاب النظام المصري فيما يتعلق بالأزمة بائس ومزر إلى أبعد الحدود، ففي وقتٍ تستقوي فيه مصر باليونان على جارتها بالضفة الأخرى من المتوسط، تركيا، بشأن حقول الغاز في المتوسط، فإنها لا تستطيع إلزام رديفها الإثيوبي بأوليات القانون الدولي المائي الذي يمنع دول المجرى من الإضرار بدول المصب، ويقرر لمصر حقها في 55.5 مليار متر مكعب من المياه، بموجب اتفاقية تقاسم مياه النيل عام 1959، بل الأدهى أن نظام عبد الفتاح السيسي أمضى على اتفاقية "إعلان المبادئ" مع إثيوبيا، وألقى بحقوق مصر في الغاز والنفط لإسرائيل واليونان وقبرص مجانًا في اتفاقية "ترسيم الحدود"، تماما كما باع جزيرتي تيران وصنافير، بما لهما من أهمية استراتيجية كبرى، للسعودية/ إسرائيل، وهو نفسه الذي اعتبر حل أزمة المياه والموت فقرًا في "تحليف القسم" لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أمام الكاميرات بأن "لا يؤذي مصالح مصر" ، وكأن ما تسعي له إثيوبيا بالدماء منذ عشرات السنين سيتخلى عنه آبي أحمد بترديد كلماتٍ عربيةٍ لا يفهمها أمام المصورين.
لا تقلّ عبثية المشهد عن عبثية تعليقات السيسي أخيرا في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، وهو
"خطاب النظام المصري فيما يتعلق بالأزمة بائس ومزر إلى أبعد الحدود" يحمّل مسؤولية أزمة سد النهضة، لا على قراراته و"الأيمان" البلهاء التي اقتطعها من إثيوبيا، بل على الثورة المصرية والرئيس الشهيد محمد مرسي. هذا، على الرغم من أن قراره "الشخصي" توقيع اتفاقية الخرطوم في العام 2015، فيما أجمعت تحذيرات مستشاري الأمن القومي والمخابرات العامة ووزارات الخارجية والدفاع والري على أن توقيع الاتفاقية يعني موافقة مصر على بناء سد النهضة من دون التزامات أو ضمانات من الطرف الإثيوبي، ولكن السيسي حينها أكد على قدرته على "استعمال تأثيره الشخصي على المسؤولين الإثيوبيين والرأي العام الإثيوبي". وهذه الثقة الهوجاء في "التأثير الشخصي" أفضت بمصر إلى التنازل عن البند الخامس من الاتفاقية نفسها، المتعلق بقواعد الملء الأول وتشغيل السد، وهي التي تضع الآن 90 مليون مصري على حافّة الموت عطشَا، إذا نفّذت إثيوبيا قرارها بملء السد في ثلاث سنوات.
ومع تعزيزها قدرات قواتها وسلاح الجو، أخيرا، عبر اتفاقيات عدة لتطوير تسليحها، جديدها صفقة المقاتلات الروسية المتطورة فئة سوخوس سو – 35 بقيمة مليوني دولار، إلا أنه غير متوقع أن تدخل مصر صراعاً عسكريا مع إثيوبيا. بل يشير مراقبون إلى إنشاء مصر سحارات سرابيوم من غرب قناة السويس إلى شرقها، مرورًا من أسفل القناة وبطول 60 مترًا، كان مقرّرًا أن تنقل مليار متر مكعب من المياه إلى سيناء، وانتهى بناؤها في أقل من ثلاث سنوات، فإذا وُضع هذا بجانب تهجير مائة ألف مواطن من بدو سيناء، وتجاهل وجود ترعة السلام وسحارة ترعة السلام التي كان يمكنها توصيل المياه إلى سيناء، لو كان هذا هو المقصود فقط. ولو نظرنا أيضا إلى مشروع الرئيس الراحل، أنور السادات، في العام 1979، في توصيل المياه إلى إسرائيل بتفريعة من النيل إلى سيناء، فيبدو أن "البلاهة" التي يتعامل بها النظام المصري مع مشروع إثيوبيا تقف وراءها مخططات أخرى، منها مساومة المصريين على الموت عطشَا أو تمديد ملياري متر مكعب مياه إلى إسرائيل. .. ومع أنها تبقى أطروحات تحليلية، إلا أن مؤشراتها تكاد تتكامل في اتجاه واحد.
نقلا عن العربي الجديد
لمتابعة أخبار
يمان نيوز عبر التليجرام اضغط
هنـــــــــــــا