كان لي الشرف زيارة محافظة مأرب ضمن الفريق الوزاري المكلف بتقييم برنامج التطوير المدرسي (المنحة المالية للمدارس) وهي أول مرة أزور تلك المحافظة الجميلة.
لقد كان الاستقبال والترحيب كبيراً جداً وتهيئة السكن .والتعاون يفوق التصور. واهتمام عالي بوجودنا وتسهيل مهمتنا.
تفاجئنا في بادئ الأمر بعطلة الأحد التي لم نعمل حسابها في توقيت النزول.فطلبنا منهم أن نشتغل في يوم السبت والأحد وهما إجازة ورغم أن الطلب غريب . إلا أنه كرم منهم وتقدير لنا تم الاستجابة لنا .وتم إبلاغ المدارس بذلك وبدورهم لم يتذمر أحد واستجابوا بكل تفاني وإخلاص وهذا طبع الكرماء والعظماء فهم يحبون العمل ويكرمون الضيف ويرفعونه فوق رؤوسهم .
بادر مدراء المدارس بالاتصال بنا وطلبوا منا تحديد موعد ليأتوا الينا بسياراتهم لياخذونا إلى مدارسهم .وفعلا جدولنا المواعيد بالتنسيق مع القيادة العليا لمكتب التربية في المحافظة ومكاتب التربية في المديريات.والكل يفتح تلفونه في كل الأوقات ويجيبون على اتصالاتنا ويذللوا لنا كل الصعاب ويتواصلوا معنا باستمرار للاطمئنان علينا .
تتفاجأ بالمدارس من العمل المتقن والأسلوب المهني الرائع حيث قام مدراء المدارس بدعوة أعضاء الفريق المدرسي للحضور التزاما بالمهنية والشفافية والعمل المؤسسي ووجدنا التفاهم والانسجام والاحترام فيما بينهم وحسن الترتيب والانجاز والأمانة والإخلاص والشفافية .
فجمعوا لنا كل الأدوات التي اشتروها بمبلغ المنحة والفواتير والعروض والإجراءات وكانوا حريصين على الشفافية في العمل متجردين من كل شبهة .
انطباعات أخرى لاحظناها أبهرتنا ، وأثلجت صدورنا وهي الاستعداد للعام الدراسي الجديد.فالمكتب العام للتربية في المحافظة يسابق الزمن ويعقد اجتماعاته في يوم إجازة .
ومكاتب التربية في المديريات عقدت اجتماعاتها مع مدراء المدارس في يوم الإثنين أول يوم دوام في الاسبوع.
ذهبت إلى مكتب التربية في إحدى مديريات مارب وصلت وهم مجتمعين لاحظني أحدهم منتظر في ساحة المبنى فتقدم نحوي وسألني فعرفت بنفسي. فأصر عليا دخول قاعة الاجتماع تقديرا لي .كضيف قائلا عيب نخليك واقف خارج. وهذا طبع الكرام.
خلال دقائق لمست العمل الإداري المؤسسي.اجتماع بجدول أعمال مكتوب في مقدمة القاعة . ونقاشات منظمة ومقرر للاجتماع يصيغ التوصيات والمقترحات ويدونها.واستأذان بالكلام من قبل الحاضرين والتعقيب بشكل مرتب على بعض الآراء، شورى وتصويت في اتخاذ القرارات.إنهم قوم سبأ أول من حكم بالشورى على وجه الأرض .
نقلت نظري بين المجتمعين فما أن يقع نظري على أحدهم الا ويبادلك الابتسامة الصادقة التي تعني الترحيب وقبل أن يرتد اليك بصرك تشعر أنه فتح لك قلبه وكأنه يعرفك من عشرات السنين .
وزعت النظر على اغلب الحاضرين لم أجد أحدا متجهما أو متكبرا أو متجاهلا لي رغم أنهم لا يعرفوني .من قبل لكنهم يوزعون عليك إبتسامة الترحيب .
هذه طباع وسجايا الماربي وأخلاقه التي هي سلوك متوارث من جدهم التبع اليماني اسعد الكامل الذي يعتبر أول من كسل الكعبة المشرفة .
شد انتباهي وإعجابي الدكتور علي العباب نائب وزير التربية رغم صغر سنه إلا أنه يدهشك بانجازاته وخبرته ،ونشاطه فهو دكتور جامعي وأكاديمي ناجح ويشغل مدير مكتب التربية لمحافظة مأرب إلى جانب منصبة في أعلى هرم وزارة التربية كنائب وزير. ويؤدي كل المهام بإتقان بنجاح مشهود.
يستغل الأوقات الهامشية والإجازات في إنجاز الكثير من الأعمال .غير متكاسل أو متكبر .يرد على الكثير من الاتصالات يتفاعل مع كل مشكلة وقضية متعاون مع الجميع . يقدر المسؤلية الملقاة على عاتقة ،ويتعامل بأخلاق مهنية عالية .
الدكتور علي العباب الرجل الذي بهمته أحرق المراحل وبسرعة استطاع أن ينتقل من الوسط التربوي إلى الوسط الأكاديمي. وبنجاحه في العمل الإداري صعد السلم الإداري ووصل إلى منصب نائب وزير .
له حضور فاعل وإنجاز ملموس. ويحضى باحترام الجميع وله شعبية عالية .
الأستاذ أحمد العبادي مدير التعليم في مكتب التربية محافظة مأرب رجل في غاية النيل والأخلاق والكرم والتعاون.
فهو شيخ في عشيرته ومديرا في وظيفته. رجل يفصل بين عمله في مكتبه و وجاهته في مجتمعه.
ففي العمل ينادونه بالمدير والأستاذ وفي بيته والوسط الإجتماعي ينادونه بالشيخ. جمع بين كل النجاحات،و الصفات الحميدة وأضاف إلى عمله أخلاق وشهامة وكرم القبيًلة والأصالة والعراقة ليصبح أكثر لمعانا ،وقبولا ، ونجاحا ، وإعجابا للجميع .لا يسعك وانت تشاهد الرجل وأخلاقة وتعامله الراقي إلا أن تقف احتراماً واجلالٍ لهولاء الناس .
وضع المدارس والتعليم في المحافظة.مارب استقبلت ملايين النازحين . وبالتالي مئات الآلاف من الطلاب وبشكل مفاجئ بحاجة إلى استيعاب. لكن القوم كرام وقادتها رجال دولة . تم استيعاب النازحين وإعطائهم الأولوية وبكل جد واجتهاد تم عمل اللازم وتلافي الكارثة المترتبة على الضغط والزحام . فتم التعاقد مع مئات المدرسين وانشاء مباني مؤقتة ورسمية توسعت في بعض المدارس وكل هذا على حساب المحافظة ومكتب التربية والمجالس المحلية ودعم من بعض المنظمات .
هناك مدارس نازحة بكافة طلابها وطاقمها من محافظة الجوف ومن بعض الأطراف التي سيطرت عليها ميلشيات الحوثي وكذلك المناطق التي تدور فيها الحرب .فتم استقبالهم وتسليمهم الفترات المسائية في بعض المدارس بكافة اثاثها وإمكانياتها دون تحفظ . وكذلك مئات الآلاف من الطلاب النازحين من عدة محافظات تم استيعابهم بشكل مختلط في المدارس.
هناك مخيم الجفينة للنازحين الذي، مهما كانت قوة وسلام نظرك لا تستطيع رؤية أطراف هذا المخيم ، فقد أصبح مدينة كبيرة جدا مكتظة بالسكان .الجميل أن القبائل أعطوا النازحين الأرض مجانا يبنوا فيها.وهذه قمة في الكرم والأصالة والأخلاق تجاه اخوانهم النازحين. ابني واسكن مجاناً مدى الحياة شرط عدم البيع والمتاجرة في الأراضي والبيوت.
وسلطات مارب بالتعاون مع المنظمات بنت في هذه المخيمات المدارس والمساجد والمراكز الصحية والكهرباء.والخدمات ، يوجد في هذه المخيمات مدارس معتمدة من مكتب التربية وطواقم تدريس يعملون بعقود مكتب التربيه بدعم من المحافظة والمنظمات .
شئ آخر لابد من ذكره هو شوارعها النظيفة والواسعة والسليمة ، لم اجد مثلها الا في محافظة حضرموت.
وانت تتجول في أحياء مأرب تشعر بوجود الدولة وهيبتها.
فرغم الحرب المشتعلة والهجوم الشرس والمستمر من قبل ميليشيات الحوثي على المحافظة.الا أن العمل جاري في كل مؤسسات مارب وهناك شغل ،وتنمية ، وخدمات مستمرة وتعد محافظة مأرب الأفضل بين كل المحافظات.
انهم رجال أشداء وقادة ناجحين في السلم والحرب وأولي بأس شديد .
ومما زاد رسوخ أعمدة الدولة في المحافظة واحترام النظام والقانون هو الإرث الاجتماعي القبلي الجميل وجود العيب والعيب في مأرب رديف القانون ، ومن يخالف القانون عليه العيب . وبهذا وجد إحترام القانون وترسخت أركان الدولة وقامت مؤسساتها وتشكلت صورة جميلة بأبهى حللها ، وليس بغريب على أبناء إقليم سبأ فقد قامت من أرضهم أقدم وأعظم حضارتين هي معين وسبا حكمت إلى أطراف العالم العربي وسطرت تاريخها الكتب السماوية ودونت كل كتب التاريخ عظمة تاريخ سبأ ومعين .
فأرض مأرب المباركة التي جمعت العجائب المدهشة هي صحراء لكنها نادرة الوجود فهي ثلاثية الخير والإنتاج فعلى ترابها يزرع البرتقال والحبحب وأنواع الفواكه والخضروات ومن باطنها يستخرج الغاز والبترول ، وأيضا يستخرج الرخام وأحجار البناء والزينة. هي كما وصفها الله سبحانه وتعالى "بلدةٰ طيبة ورب غفور "
مررنا بصافر ليلا رأينا الشعل الملتهبه التي تشتعل في فوهات مداخن محطات صافر للغاز والنفط سألني أحد الركاب ما هذه الكتل النارية أجبته إنها نار حاتم الطائي التي كان يشعلها ليهتدي اليه المسافر الجائع، وعابر السبيل التائه. ابتسم جميع الركاب وقال أحدهم والله إن كل سكان مأرب حاتم الطائي.
أكملنا مهمتنا التي نزلنا من أجلها بنجاح تام وسهولة نتيجة إشراف وتعاون قيادة مكتب التربية في المحافظة ممثلة بالدكتور علي العباب والأستاذ أحمد العبادي.
فقد كانوا على تواصل مستمر معنا في كل الأوقات. وكذلك تعاون مدراء مكاتب التربية في المديريات وأيضا مدراء المدارس الذي جميعا أخجلونا بكرمهم وطيب أخلاقهم وحسن تعاونهم . وفوق هذا لم يتدخل أحدا بعملنا أو حاول أحد التأثير على عملنا اطلاقا ،أخلاقهم الفاضلة وروح المسؤولية لم تسمح لأحدهم حتى بالسؤال عن نتيجة تقييمنا لأعمالهم التي تخص برنامج التطوير الذي بناء على تقييما ستكون صرف المرحلة الثانية من البرنامج.
وأخيرا وليس بآخر نقدم لهم كل الشكر والتقدير والامتنان مني أنا وزملائي أعضاء الفريق الوزاري لبرنامج التطوير المدرسي ونتمنى لهم مزيدا ومزيدا من النجاحات والتوفيق والسداد .
لمتابعة أخبار
يمان نيوز عبر التليجرام اضغط
هنـــــــــــــا