دشّنت فرقة المركز البيداغوجي (التعليمي) الفنيّ المغربية موسمها المسرحي الجديد، بتقديم العرض الأوّل للمسرحية الجديدة "لحمي للذئاب وعظمي للكلاب"، في مسرح عفيفي بمدينة الجديدة (الوسط الغربي) على أن تُعرض فيما بعد، بعدة مناطق من المغرب.
وتسعى الفرقة، من خلال هذه المسرحية -التي كتب نصها كل من محمد كابّي، وأحمد اخطاير، ومصطفى بوعسرية، وأحمد فوزي، وأخرجها أحمد اخطاير- إلى معالجة قضية اجتماعية جديدة، سيرا على النهج الذي عودت عليه جمهورها، والمتمثل في تناول الظواهر الاجتماعية الملحّة التي تنخر جسد المجتمع المغربيّ مثل البطالة والفقر والهشاشة والخيانة والعنف وتشغيل الأطفال.
وارتأت الفرقة التوقف عند ظاهرة اجتماعية باتت تتفاقم بشكل مقلق في الحواضر والأرياف المغربية على حدّ سواء، وهي ظاهرة تكاثر المهمشين بشتى تجلياتهم: الحمقى والمشردين وأبناء الشوارع والأرامل والمتسولين والحمالين والباعة المتجولين والشعراء المجاذيب... وغيرهم، وقد ساعد هذا الاتجاه الملتزم الذي عاهدت الفرقة جمهورها على السير فيه، على أن تظل قريبة من المواطن المغربي، وأن تكتسح الساحة بشكل مطّرد.
الشاعر برز في دائرة الضوء مهلهل الملابس، سيئ الملامح، مشردا لا أسرة له
جسّد أدوار المسرحية باقتدار كل من عبد الصادق عبادة ونور الدين شهبي وأحمد اخطاير ومريم صوفي، وأشرف على المحافظة العامة عبد الحكيم بن سينا، بينما دبر شأن السينوغرافيا والإضاءة الخدير بوعيطي، ودبّج الإيقاع الموسيقي محمد مفكر.
وتلقي المسرحية الضوء على ظاهرة مجتمعيّة خطرة تتمثل في ظاهرة "التهميش والإقصاء الاجتماعيين" التي راحت تتسع بشكل يثير تساؤلات عديدة حول أسباب ودواعي تفشيها في الطبقات الاجتماعية التي تعيش في هوامش المدن الكبرى، والأحياء الشعبية الفقيرة، والقرى المقصية في قاع المجتمع المغربي.
ولبس الممثلون أقنعة المشردين، والحمقى، والمتخلى عنهم، والمعوقين، وغيرهم من الفئات المسحوقة التي تعاني في صمت، وتكابد القهر والنسيان، والمعاناة مع المرض والجوع والبرد، ويبيتون في الشوارع والأزقة والخلاء عرضة لكل أنواع الاحتقار والمذلة والاغتصاب والدونية والموت البطيء أمام أنظار المجتمع التي تزيدهم ضيما وضيقا وألما.
ويؤكد الممثل المسرحي عبد الصادق عبادة في تصريح خاص للجزيرة نت أن هذه المسرحية استغرقت من الفرقة عملا متواصلا طيلة شهور من التدريب والعمل على النص الدرامي، لصعوبة تجسيد الأدوار من جهة، ومقتضيات الأداء المسرحي التي تطلبت منهم القيام ببحث حول طبيعة عيش الشخصيات المدرجة في النص، وكيفية تفكيرها وتواصلها.
ويضيف عبادة أن الدور الذي أنيط به جعله يقوم بجولات استطلاعية لملاقاة الشخوص التي سيتقمص أدوارها مثل: الأحمق، الحمّال، المعطل، المتقاعد، المعاق، المتسول، أطفال الشوارع، المُتخلى عنهم... ومحادثتهم بغرض التعرف عن قرب على انفعالاتهم، وأسلوب خطابهم، وأحوالهم المعيشية.
عبد الصادق: أدرج المثقف ضمن المقصيين لعدم مشاركته في القرارات الكبرى
من المشاهد القوية والمؤثرة التي حفلت بها المسرحية وتفاعل معها الجمهور، تلك التي ظهر فيها المثقف -شاعرا كان أو زجّالا أو روائيا- في الخشبة ضمن لائحة المنبوذين في المجتمع، وهو يعاني ما تعانيه باقي الشخصيات الدرامية السابقة الذكر من تهميش وحصار ونظرات الريبة والاستهزاء والاحتقار، وما تقاسيه من تواجد على الهامش دون إيلاء أفكاره ورؤاه أية عناية.
الشاعر برز في دائرة الضوء مهلهل الملابس، سيئ الملامح، مشردا لا أسرة له، معطلا لا دور له في المجتمع، هلامي العبارات كأنه اختار مسيرة الضياع هذه كرد فعل وجودي ضد ما يعانيه من إجحاف، وما يقاسيه من نكران في مجتمع ينظر بازدراء للشعراء والمثقفين والعلماء.
وفي هذا الصدد، برر الفنان المسرحي عبادة إدراجهم لشخصية المثقف ضمن شريحة المقصيين والمهمشين في المجتمع المغربي بكون الشعراء والكتاب والمثقفين بصفة عامة، باتوا مغيّبين منذ عقود عن المشاركة في اتخاذ القرارات الكبرى، بالرغم من كونهم من الطبقة المتنورة، الشيء الذي جعلهم أشبه ما يكونون بالمعطلين الذين يطلقون خطابات لا يسمعها أحد، ويغردون دوما خارج السّرب، وشيئا فشيئا اتسعت الهوة بينهم وبين الجماهير.
ويقول عبادة أيضا إن عجز الشخص مهما كان عن أداء رسالته يجعله -شاء أم أبى- ضمن دائرة الشريحة التي جعلنا معاناتها مادة مسرحية "لحمي للكلاب وعظمي للذئاب"، لأنه ببساطة يتموقع خارج المجتمع الذي ينتمي إليه، بعيدا عن ساحة التفاعل المجتمعي.
لمتابعة أخبار
يمان نيوز عبر التليجرام اضغط
هنـــــــــــــا