قامت الدكتورة “جين توينج” أستاذة علم النفس بجامعة “سان دييغو” الأمريكية بتحليل إجابات طلبة الكليات في اختبار الشخصية النرجسية طيلة سنوات عملها، وخرجت بنتائج تثبت بأن الطلبة حالياً والشباب عموماً لديهم شعور بالنرجسية أكثر من أي وقت مضى، وقد تحدثت في دراستها عن كون التكنلوجيا الحديثة تقوم بتأجيج هذا الشعور لديهم، حتى إن بعض المواقع الإجتماعية مثل “MySpace ” التي تعني “فضائي الخاص” و “YouTube ” التي تعني “أذِع بنفسك” تشجع المستخدمين على السّعي وراء إعجاب الآخرين واهتمامهم.
كل مستخدم للمواقع الاجتماعية يملك فكرة عن هذا الذي تتحدث عنه الباحثة، مثلاً موقع فيسبوك يحتوي حسب آخر الإحصاءات المتوفرة على أكثر من 5 مليون مستخدم من المغرب، كلّ واحد منهم يعتقد أنه بؤرة الإهتمام في صفحته الشخصية، فهو بنشره لصوره وإبداعاته وتفاصيل ما يقوم به من أنشطة يومية يهدف في الغالب إلى لفت انتباه الآخرين إليه، بغضّ النظر عن كون الموقع يصف نفسه بأنه شبكة تواصل مع الأصدقاء من مختلف أنحاء العالم.
قد يبدو لنا أن هذه المواقع بدأت تنحرف بشكل غير معهود عن أهدافها الأساسية التي تمّ تأسيسها لأجلها، والتي من أهمها التواصل الإجتماعي. وهذا صحيح بالفعل.
لقد تجاوزت أهداف مستخدميها مجرد التواصل لتتحول إلى إشباع رغبات سيكولوجية واجتماعية لا يمكن إشباعها خارج الفضاءات الإفتراضية. هناك علم متخصص في دراسة تقنيات التواصل الإجتماع الآلي وهو ما يطلقون عليه “السيبرنطيقا”، كما أنه في سنة 1960 قام الدكتور “ماكسويل مالتز” بإطلاق برنامج شهير يسمى “السيبرنطيقا النفسية” وهو نفس العلم الذي تحدثنا عنه غير أنه يتمركز حول دراسات نفسية لمستخدمي الأجهزة والفضاءات الآلية، لكننا هنا لن ندخل في دوامة الدراسات الكثيرة، وسنتحدث من منطلق التجربة التي يخوضها كلّ واحد منا.
أذكر أني كتبت مقولة قبل سنتين من الآن ورد فيها: “الفيسبوك يشبه ساحة الأغورا في أثينا القرون الماضية، حيث كان كلّ فرد يذهب هناك ليستعرض مهاراته الحوارية والكتابية والفنية، وكان هناك جمهور يقوم بتقييمها والتصفيق على تميز أصحابها.”
وبالفعل، هكذا هي أغلب مواقع التواصل الإجتماعي، الاستعراضيون ينشرون لهؤلاء الذين يفضلون المراقبة بصمت، أو التعليق فقط على ما يقوم به الآخرون. وبهذا تتم صناعة الجماهير الافتراضية التي تصنع من الشخص نجماً في عالمه الخاص، علماً أنه على أرض الواقع ربما لا يعرفه أحد سوى عدد قليل جدا من أصدقائه الحقيقيين.
لكن يظهر من بين هؤلاء المستخدمين من لا يزالون متعلقين بقوانين المجتمع الواقعي، فيحاولون فرض مبادئهم على الآخرين ويشرّعون قوانين لا علاقة لها بطبيعة المجتمعات الآلية التي يعملون بدون وعي على تحويلها إلى مؤسسات، غير منتبهين إلى كون الأغلبية الساحقة ممن يلجؤون لعالم افتراضي هم في الواقع أفراد قد ضاقوا ذرعاً من الثقافة والأفكار المجتمعية السائدة، لذلك يحاولون الهروب نحو عالم يصنعونه بأفكارهم الشخصية ويجعلون منه أنموذجاً للعالم المثالي الذي يحلمون به.
و بقدر ما يشعر المستخدم بالسعادة أثناء ترويجه لمبادئه الجديدة فإنه يشعر بالأسى المضاعف حين يصل لقمّة المعرفة بأنه يستحيل عليه أن يخرج بتلك الأفكار لمجتمع أقلّ ما سيتّهمه به هو الجُنون.
سأختم هنا بآخر عبارة وردت في “إعلان استقلال الفضاء السّبراني” الذي كتبه “جون بارلو” في دافوس، سويسرا سنة 1996، دفاعاً عن حرية استخدام الانترنت : “سوف نخلق حضارة للعقل في الفضاء السبراني. عسى أن تكون أكثر إنسانية و عدلا من العالم الذي صنعته حكوماتكم من قبل.”