تعرَّف كيف ظهر التعليم المجاني من بداياته
كيف نشأ التعليم المجاني؟.. رحلة تأسيس النظام المدرسي
يمان نيوز- الجزيرة نت -شيماء عبدالله
فكرة المدرسة ليست جديدة، فعبر عصور التجمعات الإنسانية، نشأت أهمية نقل المعرفة، لكنها لم تكن لدروس ومناهج واختبارات، مثلما نعرفها الآن، لكن كانت لنقل المهارات، مثل المبارزة، والعناية بالمرضى، وفنون الحرب، والرياضات المرتبطة بالحرب أو السلم.
وظهر هذا واضحا في الحضارات القديمة، سواء كانت المصرية، أو الهندية، أو الصينية، ثم تطور الأمر مع ظهور الفلسفة، والعلوم الإنسانية، قبل الميلاد، فظهرت الأكاديميات المرتبطة بالفلاسفة العظام، مثل أفلاطون وأرسطو، لكنها ارتبطت بدراسة الفلسفة والمنطق والشعر والموسيقى والدراما.
المسجد أول مدارس العرب
أما العرب فقد عرفوا فكرة المدرسة منذ بداية الإسلام، حيث كان يتجمع الصحابة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لمدارسة القرآن وقواعده، ثم تطور الأمر لتنتقل لمساجد أخرى، ثم وصولا لقاعات ملحقة بالمساجد تعلم القراءة والكتابة مع قواعد الدين.
وظهر ذلك جليا في دور الجامع الأزهر في القاهرة وذلك في العصر الفاطمي لكنه اقتصر -قبل أن يتحول إلى تدريس المذهب السني- على تدريس الآراء الشيعية ونشر المذهب الشيعي، ثم جاءت "المدارس النَّظَّامية" ردا على الأزهر لتدريس العلوم الإسلامية السنية وكانت بدايتها ببغداد مع إنشاء الوزير نظام الملك عام 459هـ المدرسة النظامية التي اتسعت وانتشرت، ودرست العلوم الدينية وألحقت ببعضها قاعات لتدريس العلوم المدنية خاصة الطب والفلك كما ألحقت بها مستشفيات، وبقيت بعض آثارها حتى الآن في مصر وسوريا والعراق.
المدارس انتشرت بالعالم الإسلامي رسميا منذ إنشاء النَّظَّامية عام 459هـ/ 1066م، ودرست العلوم الدينية إلى جانب العلوم المدنية (الجزيرة)
المدارس انتشرت بالعالم الإسلامي رسميا منذ إنشاء النَّظَّامية عام 459هـ/ 1066م، ودرست العلوم الدينية إلى جانب العلوم المدنية (الجزيرة)
لكن المدرسة بمفهومها الحديث، وارتباطها بمناهج محددة موجهة للأطفال، عبر سنوات دراسية محددة، واختيار مواعيدها الصباحية، وتحديد بدايتها بفصل الشتاء، وانتهائها مع قدوم الصيف، كل ذلك لا أحد يعرف متى وكيف نشأ، ومن أرساه قبل قرون.
الدير.. نواة المدارس المسيحية
ليست المساجد فقط هي مكان العبادة الوحيد الذي ارتبط بالتعليم، لكن كذلك الأديرة في العالم المسيحي، حملت أمانة نقل المعرفة، وكان الرهبان في الكنيسة الكاثوليكية يتعلمون القراءة والكتابة باللغة اللاتينية، ويعكفون على دراسة الإنجيل والمزامير، وكانت تلك الأديرة هي نواة مدارس الراهبات والمدارس الداخلية على مستوى العالم حتى اليوم.
اختراع الطباعة عام 1447م، وما رافقها من نهضة اقتصادية وصناعية في أوروبا، فتحت الباب أمام ازدياد الإقبال على تعلم القراءة والكتابة، كما اشتدت الحاجة لدارسي الطب والهندسة لضمهم إلى صفوف الجيوش، وفي روسيا أرادت الإمبراطورة كاترين ضبط الجماهير وإحكام قبضتها عليها، فأسست أول معهد نظامي لفتيات طبقة النبلاء لخلق عرق جديد من الشعب الروسي عبر التعليم.
هوراس مان أول من أسس نظام التعليم العام بالولايات المتحدة (بيكساباي)أبو المدارس العامة
في الولايات المتحدة، نشأت الفكرة، على يد هوراس مان، الذي لقب بـ"أبي التعليم العام"، وكان فصل المدارس عن الكنائس أول خطوة اتخذتها الولايات المتحدة عقب إعلان استقلالها، لكن المعلم هوراس الذي تم انتخابه في مجلس ولاية ماساشوستس، قام بالعديد من الإصلاحات التعليمية انتهت في حدود عام 1840، إلى إقرار نظام التعليم الأساسي المجاني في الولاية.
وعرف هوراس بعد ذلك بأبي المدارس العامة، ثم انتشر التعليم المجاني في جميع الولايات، وكان هذا بدافع قوي من الساسة الأميركيين في ذلك الوقت، لخلق مجتمع متعلم، بوصفه خطوة أولى نحو مجتمع ديمقراطي.
أما في أوروبا، فتولى السياسي الفرنسي جول فيري، وزارة التوجيه العام في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وكان اسمه فارقا في تاريخ النظام المدرسي الحديث في أوروبا، حيث استحدث نظام "المدرسة الجمهورية الحديثة"، وفيه يتم إلزام الأطفال ذكورا وإناثا دون سن الخامسة عشرة، بالالتحاق بالمدرسة.
وقام فيري بإصدار قوانين خاصة بذلك، وكانت هذه المدارس مجانية علمانية، ومن ثم انتشرت فكرة المدارس النِّظامية المجانية وعرفها العالم وبات من الصعب عدم تطبيقها، حتى وصلت لنا بصفتها مدارس حكومية، تخضع لإشراف الدولة، قبل ظهور ما سُمي لاحقا بالتعليم الخاص.