ثورة 26 سبتمبر بين التجديد والاندثار.
لمى عبدالسلام
2024-09-20 11:41:03
إنَّ قيامَ الثَّورة وامتدادها يحتّمُ وجودَ تضحياتٍ للاستمرار في حالة الركز لها، وهي بحدِّ ذاتها لا تخلو من دربٍ من العقباتِ والأزماتِ المتتالية إلى حدٍ ما، وهي بناءاً على ذلك تلزمُ أبناءها بالذودِ عنها ليقدموا أرواحاً، أقلاماً، وحتى أموالاً وأوطاناً.
منذُ فجرِ التاريخِ كانت الثورات..
وإنَّ أوّل ثورة قامتْ في التاريخ كانت ثورة " أوتوحيكال" والتي سمِّيت تيمُّناً بالقائدِ السومري أوتو حيكال الذي قادها كانتفاضةٍ على حكم الكوتيين الطُّغاة إذ سموا حينها "الغزاة الهمج"، الذين استبدوا وعلَوا في المنطقة - وتحديداً في مدينة "الوركاء" السومرية - بعد نهبها واستغلالها، أصبح أوتو حيكال حاكماً وصاحبَ سلطان وأمرَ أن تدوّن هذه الثَّورة لأنه نجح بها وطمحَ باستمرارها، لقد كانتْ هذه الثورة ولادةً جديدةً لبلاد الرافدين كلها نتيجة اقتلاع نظامٍ سياسيٍ كان قائماً على الجور والهمجية، لكن سرعان ما انتزع الحكم منه ودفنت مظاهر هذه الثورة بعدما تمكن صهره "أور نمو" محافظ مدينة أور من الانقلاب عليه وسلبه مكانته واغتياله، بعد هذا الحدث أصبحتْ ثورة أوتو حيكال مدونة على الرُقم فقط ذكرٌ واندثر.
إنَّ ثورة السَّادس والعشرين من أيلول في اليمن السعيد التي أنهتْ حينَها نظامَ الإمامة وأقامتْ نظامَ الجمهورية كانت من أبرز نقاط التحول في تاريخ اليمن، إلى عام ٢٠١٤ للميلاد مع احتلال الحوثيين لمدينة صنعاء وقد شوّه هذا الاحتلال نسبياً الوحدة في أضلاع اليمن وثم تلاها احتلال مدنٍ أخرى وأخرى، أراد الحوثيون من الأيام الأولى اقتصاص ثورة ٢٦ أيلول من مشهد التاريخ اليمني و زرع قيمِهم ونظرتهم ومداهم الخاص في ألباب الشعب، ولقد تضافرت جهودُهم لمنعِ وقمعِ وكبتِ النفس الثورية في أبناء المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، إلى أنهم للآن عاجزونَ عن شلّ الروح الوطنية الوحدويّة في اليمنيين عامةً.
في كلِّ ٢٦ من أيلول يتجدد ذاك الوعد بالحرية ذاك الذي أطلقَ اليمنَ ليحلق كالعنقاءِ في سماء الشهب والأنجم ليكلل هذا اليوم تلك الذكرى الخالدة في قلوب اليمنيين، إنَّ أكبر دليلٍ على ذلك هو هتافاتهم برفضِ الخنوع واستعدادهم للموت سبيلاً لنيل الحرية، وقد عاش هذا الشعب تقلباتٍ مريرةٍ من عادياتِ الزمان ومع كل هذا كانوا يهتفون بحرية اليمن، وليس تحدٍّ أن يظهر اليمني بركان دمائه وإنما الحرية لديه معتقدٌ وعقيدة يبذل لأجلها النفيس، لا مانعاً من خوض ألفِ حربٍ وألفِ مجاعةٍ لأن إباء هذا الشعب لا يمكن يردعه، كل صغيرٍ وكبيرٍ يؤمن بالوطن فضلاً عن أنه ورث من حضاراته العريقة ما هب ودب، شعبٌ شامخُ الرأس.. ملتهبُ العينين وهامةٌ تتحدث عنه، شعبٌ لا يُردعُ ولا يُمنعُ.
ختاماً، كل ثورةٍ وانتفاضةٍ ما لم تكلل بالأرواح والدماء كقرابين فلن تحقق مبتغاها - ما أخذ بالقوة لا يستردُّ إلا بالقوة - إنَّ ثورةَ السادس والعشرين من أيلول فكرةٌ والفكرة لا تموت..